الصيام وفوائده الصحية
بسم الله الرحمن الرحيم
1. تمهيد:منذ قرن ونصف تناولت الدراسات العلمية الصيام فكان موضع أبحاث طبية كثيرة تبيّن على ضوئها آثاره الحميدة على الصحة بكيفية جليّة انتفى معها كل شك أو ريب
حتى لم يعد هنالك من ينازع في فوائد الصيام العديدة أو مزاياه الكبيرة من الوجهة الصحية والطبية. فأصبح صوم رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام الخمسة يكتسي في نظر الطب قيمة بالغة وأهمية خاصة على إثر المشاهدات الطبية الحديثة التي سنتحدث عنها في هذا الفصل. ونجد شرعية فرض صوم رمضان في القرآن الكريم ضمن الآيات التالية التي صرحت بها تصريحا في غاية الجلاء والوضوح محددة أحكامه وشروطه ورخصه للمرضى والمسافرين والذين يطيقونه: ( يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُواْكُتِبَعَلَيْكُمُالصِّيَامُكَمَاكُتِبَعَلَىالَّذِينَمِنقَبْلِكُمْلَعَلَّكُمْتَتَّقُونَ * أَيَّامًامَّعْدُودَاتٍفَمَنكَانَمِنكُممَّرِيضًاأَوْعَلَىسَفَرٍفَعِدَّةٌمِّنْأَيَّامٍأُخَرَوَعَلَىالَّذِينَيُطِيقُونَهُفِدْيَةٌطَعَامُمِسْكِينٍفَمَنتَطَوَّعَخَيْرًافَهُوَخَيْرٌلَّهُوَأَنتَصُومُواْخَيْرٌلَّكُمْإِنكُنتُمْتَعْلَمُونَ * شَهْرُرَمَضَانَالَّذِيَأُنزِلَفِيهِالْقُرْآنُهُدًىلِّلنَّاسِوَبَيِّنَاتٍمِّنَالْهُدَىوَالْفُرْقَانِفَمَنشَهِدَمِنكُمُالشَّهْرَفَلْيَصُمْهُوَمَنكَانَمَرِيضًاأَوْعَلَىسَفَرٍفَعِدَّةٌمِّنْأَيَّامٍأُخَرَيُرِيدُاللَّهُبِكُمُالْيُسْرَوَلاَيُرِيدُبِكُمُالْعُسْرَوَلِتُكْمِلُواْالْعِدَّةَوَلِتُكَبِّرُوا ْاللَّهَعَلَىمَاهَدَاكُمْوَلَعَلَّكُمْتَشْكُرُونَ) (البقرة: 183-185). وفي غير رمضان هناك مناسبات عديدة طول السنة يستحبّ فيها الصوم ويثاب عليه جزيل الثواب. وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تشيد بفضائل الصوم وترغب فيه نذكر منها بالخصوص:- (لكلّ شيءٍ زكاةٌ وزكاةُ الجسدِ الصومُ والصِيامُ نصفُ الصبرِ) . - (إنَّ الشيطانَ يَجري من ابنِ آدمَ مجرى الدَّمِ ، فضَيِّقوا مجارِيه بالجوعِ والصَّومِ). -(صُوموا تَصحُّوا).
2. نظرة تاريخية عن الصوم والاستشفاء به:
أ) العصر القديم: كان الصوم يمارس في حالة المرض منذ ما يزيد على 10.000 سنة فكان من جملة الطبابة الممارسة في المعابد الاسكلوبية القديمة (1300 سنة قبل المسيح). وكان أبقراط يوصي،على ما يقال، بالامساك عن الطعام إمساكا كلّيا في حالة الأزمة عندما يكونالمرض فيطور الاشتداد وفي غير ذلك من الحالات كان يوصي بملازمة حمية معتدلة. وترك لنا طرطيليان رسالة عن الصوم مكتوبة حوالي سنة200 ميلادية. وكان بلوطارك يقول: “صم يوما بدلا من أن تلجأ إلى الطب. ”وكانابن سينا بدوره كثيرا ما يوصي مرضاه بالصوم ثلاثة أسابيع أو أكثر.
ب) العصر الحديث: ثم - كما لاحظ شلتون - قد أتى على هيئة الطب حين من الدهر كانت تعلّم المرضى أن عليهم أن يأكلوا للاحتفاظ بقواهم وأنهم إن لم يأكلوا نقصت مقاومتهم وضعفوا وكان بعض الأطباء يبلغ به الحال إلى أن يقول لمرضاه إن لم يأكلوا قد يموتون. واليوم، قد اتضح أن الحقيقة هي العكس تماما. فحسب الدكتور شلتون، كلما أكل المرضى كلما أشرفوا على الموت. وبدأت الدراسات الحديثة بشأنالصوم مع الدكتور جينينغس منذ سنة1822 ؛ فأوصى جراهام في سنة 1832 بالصوم في حالة المرض بالهيضة (الكوليرا) وفي غيرها من الحالات المحمومة. وقال م.ل. هولبروك صحّياتيّ (أحد علماء الصحة) في القرن الماضي: “الصوم ليس ضربا من السحر المحكم ولكنه أنجع طب وأوثقه.”. وكثيرمن الكتّاب اكتسبوا خبرة كبيرة بالصوم وكتبوا بغزارة فيشأنه. نذكر منهم على الأخض الدكاترة: طرال، Trall ودنسمور Densmore ، وبومون Beaumont ، وباج Page، وأوسوالدOswald ، ووالتيرWalter ، ودوي Dewey ، وطانير Tanner، وهسكيل Haskell ، ومكفدانMacfadden ،وسنكليرSinclaire ، وهزّار Hazzard ، وتيلدن Tilden ، وإيالسEales ، وراباجلياتي Rabagliati ، وكيتKeith، وكارينتون Carrington ، وموركوليس Morgulis .وكانالدكتور دوي (1839-1904) في عصرنا هذا، أول طبيب استعملالصومفي علاج المرضى. ونشر كتابه "الصوم الذي يشفي" حيث ذكرشفاء كثير من الحالات السريرية بالصوم. ومع ذلك بقي عدد من المؤلفين المرتابين يعرقلون هذه الحركة الناهضة حركة الصوم حتى أن البحث تأخّر في هذا الميدان الأحيائي والطبي. وكان لزاما علينا أن ننتظر عقود السنين الأخيرة لمشاهدة بداية تطور ونوع من يقظة الوعي. فيحكي الدكتور شلتون أنه: «في سنة 1933 انعقد اجتماع لأطباء اختصائيين مشهورين أتوا من مختلف نواحي الجزر البريطانية إلى“بريدج أف ألان”سطرلنجشير باسكتلندا. وكان يرأس الندوة سير وين ويلكوكس. وكان من بين الأطباء المرموقين حينذاك الحاضرين سير همفري رولستونSir Humphrey Rollestonالطبيب الخاص للملك، ولورد ستيوارت،Lord Stewartوسير هنري لون Sir Henry Lunn ، ، وسير أشلي ماكنطوشSir AshleyMackintosh ، وألحّهؤلاء الرجال على منفعة الصوم في المرض. واتهم سير ويليام ويلسون مهنة الطب بإهمالها دراسة الحمية والصوم.«.وأخيرا وليس بالأخير، في زماننا، يعود الفضل للدكتور هـ. م. شلتون (من الولايات المتحدة الأمريكية) الذي كرّس حياته لدراسة العلاج الطبيعي، في إنجاز توليفة لأعمال سلفه من العلماء البحاثين. فأصدر كتابه "الصوم" الجليل القدر العظيم الشأن ولذلك اتخذناه أساسا لهذا البحث.