[ مئة وسبعون موعظة وفائدة عن الصيام وما يتعلق به ]
للشيخ د. صالح بن عبدالله العصيمي.
فيما يلي مجموعة من فوائد واختيارات ومواعظ الشيخ د. صالح بن عبدالله العصيمي حفظه الله - المدرس في الحرمين الشريفين - فيما يتعلق بالصوم ورمضان وما يتعلق بهما ، مصطفاة من بعض دروسه وتغريداته وخطبه
، وسيأتي سردها آخر الفوائد إن شاء الله : ١- يجب على الصائم أن يتعلم أحكام الصيام قبل دخوله لئلا يفسد عبادته من حيث لا يشعر. فإن كل ما وجب العمل به فتقدّم العلم عليه واجب.
٢- على العبد أن يتعلم أحكام الصيام حتى تقع منه العبادة كاملة ؛ فإن الثواب المعلق في هذه الأعمال جزاؤه الكامل لا يكون إلا على الفعل الكامل والحديث ( من صام رمضان) أي صياما كاملا ، و ( من قام رمضان ) أي قياما كاملا وهو اختيار ابن تيمية.
٣- مما يقرر العلم رعاية فقه المناسبات الذي يقوم على تذاكر أحكام شعائر الإسلام عند وفود وقتها كالصيام والاعتكاف وأحكام العيدين والحج.
٤- الرسائل المفردة في باب الصوم مما صنفه العلماء المتقدمون عزيزة الوجود، والظفر بواحدة منها تصلح للمدارسة والمذاكرة غنيمة باردة.
_____________
[ من حِكَم الصوم ]
٥-أعظم العلل الشرعية والحكم المرعية في شرعية الصيام هي قول الرب سبحانه وتعالى ( لعلكم تتقون ).
٦- تقوى الله يستعان عليها بالصيام:
قال ابن القيم: ما استعان أحد على تقوى الله واجتناب محارمه وحفظ حدوده بمثل الصوم .
٧- حديث "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مسالكه بالجوع" لا يثبت بهذا التمام، فإن زيادة (فضيقوا مسالكه بالجوع) لا تثبت.
٨-من فوائد الصيام أنّ العبد يكثر الصدقات إذا صام ووجه ذلك هو أن الصائم إذا جاع تذكّر ما عنده من الجوع فحثّه ذلك على إطعام الجائع.
٩-من فوائد الصيام أنه يحمل العبد على شكر ربه سبحانه وتعالى، فإن الصائم إذا فقد الطعام والشراب ذكر إنعام الله عليه بالإطعام والسقيا.
١٠- حديث "صوموا تصحوا" لا يثبت. وكل الأحاديث المروية بهذا اللفظ وما في معناه أسانيدها ضعيفة معللة .
١١- لاريب أن الصيام من جهة الطب يسبب لصاحبه صحة في ذهنه وسلامة في بدنه ، ولهذا دأب بعض الأطباء على مداواة جملة من العلل به.
[ دخول الشهر ]
١٢- لاعبرة بالحساب الفلكي في دخول الشهر أو خروجه.
والمعول عليه في ذلك إما رؤية الهلال وإما إكمال العدة ثلاثين يوما.
١٣-جمهور أهل العلم على عدم الاعتداد بالحساب الفلكي ، وما نقل عن أفرادهم هو من شذوذ العلم كما حكاه ابن عبدالبر، فلا يُلتفت إليه ، ولم يتعلق بكبير شيء .
١٤-الاعتماد على الحساب دون الرؤية قول منبوذ مطرح ؛ لأن فيه أخذا بما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته ، وما نفاه عن أمته فهو مطَّرح باتفاق المسلمين ففي الصحيح " إنا أمة أمية لانكتب ولانحسب صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"
١٥- قوله (لانكتب ولانحسب) متعلقه الرؤية لا أنه أصل كلي ؛ فإن الدين مبني على الأمر بالعلم وإشاعته، ولكن مراده هنا بيان يسر الدين وأن أمر عبادة المؤمنين لا يفتقر إلى حساب وكتاب ؛ بل إلى أمر ظاهر لا يخفى .
١٦- التعويل على الحساب الفلكي في دخول الشهر مع نفي الشريعة له إلا أنه أيضا ليس حَكَما صالحا لأن يكون فاصلا في الحكومة والخصومة في دخول الشهر ،
١٧-وذلك أن التعويل عليه غلط من وجهين :
أ. غلط من جهة علم الحساب نفسه؛ فإن الحسَّابين من أهل الفلك يختلفون بينهم، فعلى أي حساب يُعوَّل؟!
ب. من جهة العقل؛ فإن العقل الراجح لا يَنصِب للفصل في الخصومة إلا حَكَما عدلا منضبطا، والحساب لا يصلح أن يكون بهذه المنزلة.
• فالمعارف الفلكية والدلائل العقلية معتضدة مع البراهين الشرعية على إبطال التعويل على الحساب.
١٨- الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال من ذكر عند رؤية الهلال كلها
ضعيفة لكن:
روى البغوي في معرفة الصحابة بسند على شرط الصحيح عن عبدالله بن هشام رضي الله عنه أنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون الدعاء كما يتعلمون القرآن إذا دخل الشهر أو السنة (اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وجوار من الشيطان ورضوان من الرحمن)
١٩- ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة عبدالله بن هشام رضي الله عنه وكل الذين صنفوا في الأذكار لم يذكروا هذا الأثر .
٢٠- وهو مما تطمئن النفس إلى العمل به ، فهو مما لايختلف في صحة إسناده .
بل الأثر ورد بسند خرج البخاري به حديثاً من أوله إلى آخره.
٢١- الأصل في التقاويم التي تجعل للصلاة صحتها وثبوتها؛ فقد تتابع عليها المسلمون في العقود المتأخرة طبقة بعد طبقة، والكلام المروج في بطلانها لا يؤبه به؛ لأنه صادر عن غير اختصاص بالأهلية في القول فيه، ولا يجوز الافتيات بنشره؛ لأن فيه إفساد لمواقيت عبادات المسلمين.
٢٢- فالمتكلم بتقدم الفجر ١٠ دقائق مثلا ونحو ذلك آثم وكلامه حرام لما يورثه من التشكيك في عبادات المسلمين وافتراقهم إلى قوم يمسكون في وقت وآخرون يمسكون في وقت، وافتراق المسلمين في العبادات الظاهرة من أعظم أسباب هلاكهم.
٢٣- وقد وكل هذا الأمر إلى أهله فيمن أنابه ولي الأمر في تحديد المواقيت فلا يُعوَّل على غيره .
٢٤- وقد وقع التشكيك في هذه المسألة في حياة شيخنا ابن باز رحمه الله فبعث لجنتين شرعيتين، يرأس إحداهما شيخنا الفوزان، ويرأس الأخرى شيخنا بكر أبو زيد ، فانتهت اللجنتان إلى صحة التقاويم .
٢٥- فينبغي الاستمساك بالثابت المعروف المنتشر عند الناس براءة للدين وطلبا للسلامة، ومن قواعد الفقهاء: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأنه يستدل بالقديم على الجديد.
٢٦- البشارة والتهنئة برمضان:
الأحاديث المروية في البشارة برمضان ضعيفة، ولا يثبت في ذلك أثرٌ مرفوع ولا موقوف، لكنه من جملة العادات.
٢٧- فالصحيح أن التبشير برمضان -وفي ضمن ذلك التهنئة به- أنه من جملة ما اعتاده الناس، وما اعتاده الناس ولم يكن مخالفاً للشرع فالأصل فيه الإباحة.
٢٨- وهذه قاعدة في التهاني سبق أن بيَّناها، وذكرها جماعة من القدماء منهم أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري، ومنهم العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
فالأصل في التهاني بما اعتاده الناس الجواز والإباحة، إلا أن تُخالف أصلاً شرعياً، كأن يهنئه بعيد من أعياد الكفار، أو عيد مبتدع؛ فهذه محرمة ولو صارت عادةً للناس.
٢٩- فللإنسان أن يهنئ ويبشر برمضان إباحةً، أما استحباب ذلك وعده مشروعاً فلا ينتهض دليلٌ عليه؛ لضعف الأحاديث الواردة في ذلك.
٣٠- قدوم شهر رمضان يستحق منا وفادته بأتم استقبال، ومدار ما يحصل به الانتفاع في استقباله أربعة أصول:
أولا :الدعاء قبله، ومدار الدعاء النافع في استقبال رمضان 3 أنواع:
1- دعاء العبد ربه أن يبلغه شهر رمضان.
2- دعاء العبد ربه أن يوفقه فيه لصالح الأعمال.
3- دعاء العبد ربه أن يجعله فيه من المتقبلين، وأن يختم له بالعتق من النيران.
ثانيا استقبال رمضان بالنية الخالصة على عمل الخير، بأن يجمع العبد قلبه على أن يعمل في رمضان الصالحات.
- والنية النافعة في استقبال رمضان نوعان:
١- نية مجملة بأن ينوي العبد أن يستكثر فيه من الخيرات.
٢- نية مفصلة، بأن ينوي العبد فيه أنواعا يعينها في قلبه من صيام وقيام وقراءة للقرآن وصدقة وإحسان.
ثالثا : أن يهيأ العبد نفسه بتبصيرها بأن منفعة العمل فيه صالحا هي لنفسه، فينبغي عليه أن يغتنم ما وسع الله فيه وفسح من أجله، وما أبقى له من قوته في الأعمال الصالحة،
رابعا : أن يهيأ العبد نفسه بمعرفة أحكام الصيام.
والقادم إلى رمضان يحتاج إلى تعريف نفسه بأحكام الشرع في رمضان، فيتعلم ما يتعلق فيه من أحكام الصيام وغيرها، حتى إذا عمل كان عمله صوابا، فإن العبد يجب عليه أن يقدم بين يدي ما يجب عليه من العمل العلم الذي يتعلق بذلك العمل، فمن وجب عليه صيام رمضان وجب عليه أن يتعلم ما يتعلق به من أحكام.
[ فضائل وآداب في الصوم ]
٣١-حديث(الملائكة تصلي على الصائم إذا أُكِلَ عنده) مُخرّج عند بعض أصحاب السنن، وإسناده لا بأس به. وصلاة الملائكة المراد بها دعاؤهم له.
٣٢-الأحاديث المصرحة بأن أبواب الجنة تفتح في رمضان وأبواب النيران تغلّق، وأن الشياطين تصفّد هو على حقيقته، وهذا هو الذي تحتمله الأحاديث .
٣٣-الإشارة إلى تفتيح أبواب الجنة في رمضان وتغليق أبواب النار تفيد أن أبواب الجنة قبل ذلك مغلَّقة وأبواب النار مفتوحة ؛ فإذا دخل رمضان قلبت الحال ؛ ترغيبا للخلق في طلب ما يقربهم إلى الله ، وتبعيدا لهم عما لا يحبه الله .
٣٤-الصحيح أن الشياطين جميعا تُصفّد لا فرق بين ما يسترق السمع منها ولا بين مردتها وغيرها. إلا القرين الملازم للإنسان فلا يصفد بحال.
٣٥- أُضيف الصيام إلى الرب إضافة تشريف في الحديث القدسي (فإنه لي) وذلك لمعنيين:
أ-أنّ الصيام عمل خفي لا يدخله التسميع ولا الرياء؛ فهو سر بين العبد وربه بخلاف بقية الأعمال .
ب-لما في الصيام من ترك حظوظ النفس وشهواتها.
وهو اختيار القرطبي وابن رجب.
٣٦- لابد أن يُعلم أنّ الصيام الذي شرّفه الله سبحانه وتعالى فأضافه إلى نفسه المراد به: صيام من سلِم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً ، كما نقل ابن حجر رحمه الله الاتفاق على ذلك في الفتح.
٣٧-(إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) المراد بـ"الصابرون" في هذه الآية هم الصُّوام في أكثر الأقوال عند أهل العلم.
٣٨-(الصيام جنة) المروي هو أن الصيام يكون جُنّة لصحابه من النار، ولا يمتنع أن يكون أيضا جُنة للعبد من غيرها كالشهوات والآثام، فاللفظ يحتمله.
٣٩- عامّة الناس في الصيام مشغولون بكف أنفسهم عن الشراب والطعام، غافلون عن كف جوارحهم عن المحرم والآثام .
٤٠-إذا سُبَّ الصائم أو خوصم فإنه يقول(إني صائم) مرتين كما هو في ألفاظ الصحيحين. دون ذكر(اللهم)لعدم ورودها. وهذا في صوم النفل والفرض.
٤١- زيادة (وإن كنت قائما فأجلس) -أي من سُبّ أو خوصم- فهذه لفظة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
٤٢-في الحديث:(لخُلُوف)تُنطق الخاء المعجمة بالضم وهو الفصيح الصحيح ومن العلماء كالخطابي والنووي يرون أنّ فتح الخاء المعجمة خطأ لايصح.
٤٣-خلوف فم الصائم هي الرائحة التي تنبعث من الأبخرة التي تكون في معدة الصائم إذا خلت . والظاهر أن هذا الطّيب كائنٌ في الدنيا والاخرة .
٤٤- (للصائم فرحتان..) فرحه عند فطره يكون لرجوعه إلى مألوفه ولإكماله للعبادة. أما الفرحة التي تكون للقائه بربه فبسبب إثابته على صيامه.
٤٥- (رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) إذا توقى العبد الكبائر كان صيام رمضان إلى رمضان مكفرا لما بينهما من الصغائر.
٤٦- "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه" المختار أنه مكفر للصغائر دون الكبائر.
٤٧-شرط الحصول على ثواب صيام وقيام رمضان من المغفرة أمران:
١- أن يكون الصيام والقيام إيمانا به ، والمراد بالإيمان التصديق بأمر الله. ،
٢- أن يكون ذلك احتسابا أي طلبا للثواب من الله.
وهذان شرطان ثقيلان يحتاج المرء إلى إشهاد قلبه إياهما حتى يحصل له هذا الأجر .
٤٨-في الحديث(إنّ في الجنة باباً)ولم يقل للجنة!ليستشعر العبد نعيم الجنة، ولتقريب النفس وتشويقها إلى نعيم الجنة.
٤٩- أبواب الجنة علقت بالأعمال ، فأهل الصلاة يُدعون من باب الصلاة ، وأهل الصدقة يدعون من باب الصدقة .
٥٠- أما أهل الصيام فيُدعون من باب الريان وليس من باب الصيام - وإن كان وقع في رواية عند البخاري لكنها غير محفوظة -
لأن الصيام معناه في اللغة الإمساك، وفي الإمساك كره، فسُمِّي الباب الذي يدخله الصائم بضد الإمساك وهو (الريان)، وهو الذي يُروي قاصديه؛ كراهةً لمعنى الإمساك، لعدم مناسبته لحال الجنة ونعيمها.
٥١-جاءت أحاديث في فضل الصدقة في رمضان لا يثبت فيها شيء كقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة في رمضان" فإن هذا حديث ضعيف لا يثبت .
٥٢- يندرج في جملة جود النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان الثابت في الصحيحين = كثرة الصدقة، فيشرع للعبد أن يُكثر من الصدقات في رمضان لأنه زمن فاضل .
٥٣- "من فطر صائما كان له مثل أجر فاعله.." هذا مع شهرته لا يثبت. فإن له علة قل من تفطن لها. وهي أن عطاء لم يسمع من زيد ففيه انقطاع.
٥٤- على القول بصحة حديث "من فطر صائما.." فإن الصحيح أنه لا يشترط الإشباع لنيل الفضل بل يحمل على الكفاية مع القدرة ؛ فإن الشبع قدر زائد .
٥٥- لا ريب أن تفطير الصوام مندرج في جملة الصدقة في رمضان فيحث عليه الناس من هذا الباب.
٥٦- حديث:(إنّ الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرغوا)أخرجه النسائي وغيره بسند حسن.
٥٧- لم تثبت مضاعفة الفرائض والنوافل في رمضان ؛ فهما فيه بمثلها في غيره ، لكن الحسنة المفعولة في زمان شريف أو مكان شريف أعظم كيفية من الحسنة المفعولة في غيره، فصلاة الظهر مثلا في غير رمضان مع صلاة الظهر في رمضان تتفاضلان من جهة كيفية الحسنة لا كميتها .
٥٨- الحسنة والسيئة قد تعظمان كيفا باعتبار معنى يقترن بها كشرف زمان أو مكان أو فاعل ، وزمان رمضان من أشرف الأزمان فالحسنة فيه تضاعف كيفية، وكذلك السيئة ، تعظيما لمقام الشهر .
٥٩- الحديث المشهور "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" لم يثبت فيه شيء ، بل رمضان كله رحمة وكله مغفرة وكله محل للعتق من النار .
٦٠-في البخاري " من لم يدع قول الدور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" فيه أن مقصود الصيام أن يدع المرء قول الزور والعمل به والجهل، لا أن يترك طعامه وشرابه.
٦١-(قول الزور) أي قول الباطل .
(العمل به) العمل بالباطل .
(والجهل) يشمل معنيين:
١- عمل السيئات؛ فإنه جهل كما قال أبو العالية: كل من عصى الله فهو جاهل، ونقل ابن تيمية وابن القيم الإجماع على ذلك .
٢- ترك الطاعات ؛ لأنه لا يمتثل صاحبه العلم الذي يعلمه، ومن ترك العمل بما يعلم فهو جاهل .
٦٢- السنة التي دلت عليها الأحاديث النبوية في حق من دُعي إلى طعام وهو صائم نفلا أنّه يجيب من دعاه فإذا أجاب فحقُّه حينئذ سنتان اثنتان:
الأولى: أن يقول عند تقريب الطعام (إنّي صائم) كما جاء في الحديث والمشهور هو أن يقولها مرة واحدة بخلاف ما إذا سابَّه أحدٌ أو قاتله فإن المشروع هو أن يقولها مرتين اثنتين.
والسنة الثانية: أن يدعو لداعيه كما جاء في الحديث المخرّج في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دُعي أحدكم فليُجب فإن كان صائما فليُصَلِّ..)
وفي كلا هاتين السنتين تطيبٌ لخاطر الدّاعي، واعتذارٌ له، وحسن ملاطفة في حقِّه.
٦٣-من كان صائما صوم نفل هل الأفضل أن يبقى على صيامه أم يفطر إذا دعي للطعام؟ قولان لأهل العلم ، أصحّهما أن ذلك بحسب المصلحة .
[ قيام رمضان ]
٦٤- "إذا قام الرجل مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" الانصراف في هذا الحديث هو التسليم وجوبا ، والخروج من المسجد استحبابا.
٦٥- السنة في قيام الليل أن يصلي إحدى عشرة ركعة لحديث عائشة، ولفعل عمر فإنه لما جمع الناس فإن أُبيَّا وتميما قاما بإحدى عشرة.
٦٦- الزيادة على إحدى عشرة ركعة في القيام جائزة؛ فقد ثبت هذا عن السلف فقد كانوا يوسعون في هذا، فمنهم من يصلي ثلاثا وعشرين، ومنهم من يصلي تسعا وثلاثين وبين ذلك أعداد عدة.
٦٧- الدال على إباحة الزيادة قوله صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى" فالإطلاق يدل على أنه يصلي ماشاء .
٦٨- الأفضل المحافظة على السنة، لكن المحافظة على السنة كما وكيفا ، أما ما يفعله بعضهم بالمحافظة عليها كما بصلاة ١١ ركعة ولايحافظ عليها كيفا فهو ليس بمقتد.
وإذا كان يسرع في صلاته فهو مفرِّط.
وإذا وقع منه الإخلال بصلاة الناس بألا يتمكنوا من الإتيان بما يجب عليهم في صلاتهم فهو آثم.
٦٩- فُتِن الناس بهذا في الأزمنة الأخيرة؛ فصاروا يتسارعون إلى انقضاء التراويح في مدة ربع ساعة ونحوها، ولا ريب أن من صلى في هذه المدة فهو غير موافق للسنة ولو صلى ١١ ركعة.
٧٠-أكمل الأحوال في قيام رمضان أن يلازم المصلي إمامه فيلزم صلاته ليُكتب له قيام ليلة ، فإذا لازمه طول الشهر يكون قد قام رمضان.
٧١- كان الناس قديما وحديثا يحرصون على ملازمة إمام واحد في المسجد ليحصل لهم الثواب ؛ فإن الإنسان إذا شتت نفسه في تتبع المساجد ربما ذهب عليه بعض الصلاة مع الإمام فيخشى ألا يكون ممن قام تلك الليلة فيفوته الأجر المذكور فيها.
-
٨٢- عند أبي داود وغيره بإسناد جيد عن ابن عباس قال : " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا ... يدعو على رعل وذكوان .... ويؤمن من خلفه) ففي الحديث أن الإمام يدعو والمأموم يؤمِّن، ولا يشرع للمأموم غير التأمين.
٨٣- إذا عظم الإمام الرب لم يشرع قول(سبحان الله) ونحوها، والحديث السابق صريح بأن حق من وراء الإمام إنما هو التأمين ، وإن سبح أو هلل كان جائزا، أما أن يكون سنة مستحبة فإن الآثار لا تدل على ذلك .
[ الدعاء في رمضان ]
٨٤- الدعاء الذي يدعو به الصائم عند فطره نوعان:
١- دعاؤه لنفسه : وهو قوله: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ، رواه أبو داود بإسناد حسن.
٢- دعاؤه لمفطره: بأن يقول : أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامَكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة.
٨٥- دعاء الصائم يكون على رجاء إجابة في حالين:
١- وقت عام وهو كل اليوم الذي يصوم فيه.
٢- وقت خاص وهو عند فطره أي حال فطره، إذا قرب زمنه، ويدخل الدعاء في أثناء فطره ، فهو من جملة ما يدخل في قوله (عند فطره) .
٨٦- يشرع للصائم إذا أفطر أن يستكثر من الدعاء لما جاء عند ابن ماجه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن للصائم عند فطره لدعوة ماترد" .
٨٧- وكذلك يشرع للصائم الإكثار من الدعاء في يومه كله لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة دعوتهم لا ترد" وذكر منهم "الصائم حتى يفطر" رواه الترمذي وابن ماجه .
٨٨- رواية "حين يفطر" لا تثبت ؛ فما يظنه بعض الناس من اختصاص وقت الدعاء بما قبيل الفطر: غير صحيح ، فالصائم يومه كله وقت للدعاء وكذلك عند فطره .
٨٩- قد روي فيما يقوله الصائم بعد فطره أحاديث لا يثبت منها إلا "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" ويقال في الصيف والشتاء .
٩٠- المعروف في دعاء الأنبياء أنهم يدعون الله بالتقبل لا بالقبول ؛ لأن التقبل مرتبة أعلى من القبول، فإن القبول يقتضي صحة العمل تارة فقط، وتارة يقتضي صحة العمل والثواب عليه فقط.
٩١-أما التقبل فإنه يزيد على هذين أنه يشتمل على محبة الله للعامل ورضاه عنه، ولهذا كان الأنبياء يسألون الله الأكمل فيقولون (تقبل منا) ولا تجد أبدا في دعاء الأنبياء خلاف هذا البناء .
٩٢-ثبت عند ابن خزيمة بسند صحيح أن أبي بن كعب كان لا يقنت في رمضان إلا بعد النصف، وثبت عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان لا يقنت في رمضان إلا في النصف الثاني منه.
٩٣-فلم يعرف عن الصحابة قنوت إذا اجتمعوا للتراويح في رمضان إلا في النصف الثاني منه، فمن أراد الاتباع فعلى هذا، وإذا قنت في رمضان كله كان جائزا .
٩٤- قرر جماعة من كبار الحفاظ كأحمد وابن خزيمة وابن عبدالبر أنه ليس في قنوت الوتر حديث مسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
٩٥- محل القنوت من الوتر : عند ابن خزيمة بسند صحيح في قنوت أبي بالصحابة في رمضان أنه كان بعد الركوع، ولم يثبت عن غير أبي خلافه من الصحابة، فالمشروع في قنوت الوتر هو أن يكون بعد الركوع .
[ الفطر والسحور ]
٩٦- السحور بركة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حسا ومعنى .
٩٧- وقت السّحر هو الوقت الكائن بين الفجر الكاذب والفجر الصادق وقُدّر بربع ساعة وبثلث ساعة وأكثر ماذُكر في تقديره خمسة وأربعون دقيقة .
يقول أحد المغاربة:
مابين كاذب وصادق سحر~
على الذي اختاره ابن حجر~
٩٨- يحصل أجر السحور بأن تأكل السحور في وقت السحر وهو الوقت الكائن بين الفجر الصادق والفجر الكاذب. والأكل قبل ذلك لا يكون سحورا بل عشاء .
٩٩-ليس في الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم يذكر شيئا عند سحوره. والمشروع له الاستغفار ولا يختص الاستغفار بالمتسحر بل يختص بوقت السحر .
١٠٠-الاستغفار سنة يغفل عنها كثير من الناس في وقت السحر، ولاسيما في رمضان الذي يُوَفَّقُ فيه كثير من الناس إلى اليقظة في وقت السحر.
١٠١-حديث "كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء" لا يصح . وقد أعله أبو حاتم وصاحبه أبو زرعة .
١٠٢-المحفوظ في بيان ما يفطر عليه الصائم "إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء فإن الماء طهور" فإسناده لابأس به.
١٠٣- الرطب من جملة التمر فإذا أفطر الإنسان على رطب أو على تمر يابس فكلٌّ داخل في جملة مسمى التمر .
١٠٤- دعوى تفضيل الرطب على التمر اليابس من جهة الشريعة لا يثبت فيه حديث. والفطر يكون على التمر الخالص بلا خلطة مع شيء كزبدة ونحوها .
١٠٥- يستحب للصائم أن يتسحر على تمر وأن يفطر على تمر ؛ لأن التمر ذو حلاوة ، فيذوق الصائم بين هاتين الحلاوتين حلاوة الطاعة .
١٠٦- الحديث الذي فيه : أن الله عز وجل قال "أحبُّ العباد إليّ أعجلهم فطرا" ضعيفٌ لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
١٠٧- تعجيل الفطر يكون بأن يبادر إلى الفطر بعد غروب الشمس باختفاء قرص الشمس خلف الأفق ولا يضر بقاء الحمرة ، وتأخيره عن هذا مخالفة للسنة .
[ الوصال ]
١٠٨- المختار أن الوصال نوعان: أحدهما: "وصال مباح". وهو الوصال إلى السحر. ويدل عليه
"فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" .
• والنوع الثاني: "وصال مكروه" وهو ما زاد على هذا القدر ؛ فإذا واصل الصائم إلى يوم ثان أو ثالث فإن ذلك مكروه في أصح قولي أهل العلم.
١٠٩- قد ثبت عن عبدالله بن الزبير أنه كان يواصل خمسة عشر يوما "وإسناده صحيح" .
٥٠-
١٠٩- "إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" لا أصل له بهذا اللفظ . وإنما المحفوظ "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" .
١١٠- الجمهور أن الإطعام والإسقاء هو تعبير عن الأكل والشرب لما يجده صلى الله عليه وسلم من قوة الأنس بالله والسرور بقلبه. لا على حقيقته.
[ مفطرات الصوم ]
١١١- حديث ( من أفطر يوما من رمضان لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه ) حديث ضعيف ، ولو صح فإنما يراد به تعظيم إثم من أفطر متعمدا لانتهاكه حرمة الشهر ؛ لا أنه لا يجب عليه قضاء.
١١٢- اختلف العلماء في إيجاب القضاء على من أفطر متعمدا دون عذر ولا رخصة على قولين، أصحهما أنه يجب عليه القضاء؛ لأن :
١- الأصل استقرار صيام رمضان في ذمم العباد {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا أدرك الشهر وهو من أهل صيامه؛ فذمته مشغولة بصيام رمضان، وإذا انتهك هذه الذمة بفطر يوم عمدا وجب عليه رد ما لزمه في ذمته.
٢-وأيضاً هذا من جملة الدَّيْن الذي يكون لله على العبد، وفي الصحيح " ديْن الله أحق بالقضاء" فيجب رده .
ذكر هذا المعنى جماعة منهم الأمين الشنقيطي في مذكرة الأصول .
١١٣- "يدع شهوته" مذهب الجمهور أن المذي مفطِّر، والصحيح أن المذي ليس بمُفطِّر لأنه ليس من جملة الشهوة .
١١٤-"يدع شهوته" تكون الشهوة بالجماع بإنزال المني أو بما في معنى الجماع كالاستمناء، فهو ملحق بالجماع بجامع الشهوة في كل، فكلاهما مُفطّر .
١١٥- المباشرة والقبلة لها حالان:
١-يكون متعاطيها آمنا على نفسه. لا يفطر بذلك. ٢-يعلم أنه لا يستطيع لجم نفسه فيحرم عليه،
ولا يفطر ما لم يجامع.
١١٦- الحجامة هي إخراج الدم الفاسد من البدن على صفة معلومة. وهي مفطرة على الصحيح لحديث "أفطر الحاجم والمحجوم" .
١١٧- الحاجم إذا حجّم بالآلة بلا مص فإنه لا يفطر. ويلحق بالحجامة غسل الكلى والتبرع بالدم لنفس العلة "إضعاف البدن" .
١١٨-تحليل الدم لا يفطّر . إلا إن كان كثيرا فأدّى إلى إضعاف البدع فيُلْحَق بالحجامة .
١١٩- المختار أن الكحل كيفما كان لا يفطر الصائم لعدم ورود شيء من الأحاديث الواردة في هذا الباب . كما أن العين ليست منفذا للجوف .
١٢٠- يكره للصائم المبالغة في الاستنشاق.
وإذا استنشق فوصل شيء من الماء إلى جوفه ؛ فإنه لا يفطر لعدم القصد. وكذا إن دخل شيء أثناء مضمضته .
١٢١- من المفطرات للصائم (التقيؤ عمدا) وذلك باستدعائه سواء بنظر أو شم أو بوضع الأصبع.
١٢٢- " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض " لا يصح. لكن العمل عليه عند أهل العلم ، وعمل به ابن عمر ، ولا مخالف له من الصحابة .
١٢٣- العاجز عن الصيام كالمريض الذي يحكم عليه الطبيب بغالب ظنه أنه لا يُرجى برؤه ، والشيخ الكبير= يطعمون عن كل يوم أفطروه مسكينا .
١٢٤- لا يجب القضاء -على الصحيح- على من حكم عليه الأطباء بأنه من الذين لا يرجى زوال مرضه ثم أفطر وأطعم، فشفي بعد مدة ؛ لأنه قد أبرأ ذمته .
١٢٥- من أفطر لسفر أو مرض فإنه لا يجب عليه الترتيب حال قضائه .
[ القرآن في شهر رمضان ]
١٢٦- " كان دأبُ السلف - رحمهم الله تعالى – الاجتهاد في ختم القرآن الكريم مرات عديدة في شهر رمضان .
فقد كان منهم من يختم القرآن الكريم كل عشر،
ومنهم من يختمه كل سبع ،
ومنهم من يختمه كل ثلاث.
١٢٧-وذُكر في ترجمة أبي عبد الله الشافعي -رحمه الله تعالى-: أنه كان له في رمضان ستين ختمة.
وهذا أمرٌ يُمكن لأصحاب النفوس القوية المقبلة على الله -عز وجل- أن يدركوه ويعقلوه ،
أما من ضعفت قواه ، وقلَّ إقباله على مولاه فإنه يستبعد هذا ويجعله ضَرباً من الخيال.
وقد صح عن عثمان رضي الله عنه أنه قام بالقرآن كله في ركعة واحدة.
١٢٨-وإنما قوي على ذلك لكمال إقباله على ربه -سبحانه وتعالى- واشتغاله بتلذذه بقراءة القرآن الكريم ، وقد روي عنه بسند فيه ضعف أنه قال : لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا.
١٢٩-فإذا كان القلب طاهرا كان تلذذه بكلام الرب -سبحانه وتعالى- أعظم من تلذذه بغيره، فيحمله هذا على الاستكثار من الختمات.
١٣٠- حدثني الشيخ عبدالعزيز الخضيري المتوفى عن ١٠٨سنة أن شيخه الشيخ حمد بن فارس كان يختم في رمضان ثلاثين ختمة وشيخه عمر بن سليم يختم ستين ختمة.
١٣١- ما روي من الأحاديث الصحاح عن كراهة ختم القرآن قبل ثلاث، إنما محله في غير الأوقات والأماكن الفاضلة، كما ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق .
[ العشر الأواخر والاعتكاف ]
١٣٢- قال ابن رجب: "الاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق للاشتغال بخدمة الخالق"
والمراد بالخدمة: العبادة، والتعبير بها أكمل.
١٣٣- الذي يلزم مسجدا وهو مشتغل بالكلام مع الناس والعبث ويقضِّي وقته بالطعام والنوم واستعمال الانترنت ونحو ذلك فإنه لا يسمى اعتكافا، بل يسمى إقامة، وهو يخدع نفسه، وينبغي تنزيه المسجد عن هذه الأحوال الرديئة.
١٣٤- الأحاديث ليس فيها أن الملائكة تسلم على المتهجّدين في ليلة القدر ولا تبلغهم السلام عن الرب وليس في المسألة إلا آثار عن التابعين .
١٣٥- للإنسان أن يعتكف في أي حين من السنة ولو لم يكن صائما ، ولو كان لمدة يسيرة ؛ فقد روى عبدالرزاق وغيره بإسناد صحيح عن يعلى بن أمية: " إني لأدخل المسجد لا أريد إلا أن أعتكف ساعة"
١٣٦- الساعة هي البرهة المستكثرة من الزمن، وهي في تقدير الدقائق في زمننا هذا بين الأربعين إلى خمس وأربعين دقيقة وهو الذي أدركت عليه كبار السن ، وأخبرني أحد أصحابنا عن العلامة أبي تراب الظاهري -وهو من شيوخ اللغة المعروفين- أن الساعة التي تعرفها العرب أقرب ما تكون ٤٥ دقيقة بتوقيتنا .
١٣٧- الأحاديث المروية في تعيين نوع من الدعاء في ليلة القدر لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها شيء . وأشهرها حديث عائشة وإسناده ضعيف لانقطاعه .
١٣٨- لا يتقيد الاعتكاف برمضان . و لا يُشترط الصوم للاعتكاف. فيشرع للعبد أن يعتكف في أي حين من السنة ولو لم يكن صائما ولو كان لمدة يسيرة .
١٣٩- المختار أن الاعتكاف عامٌّ لجميع المتعبدين من الرجال والنساء لا فرق بين شاب ولا شيخ .
١٤٠- ما يفعله كثير من الناس من جعلهم محل اعتكافهم محطّاً للزوار ومجلسا للمعاشرة ، فإن هذا الاعتكاف لون والاعتكاف النبوي لون آخر .
١٤١-(شد المئزر) -أي في العشر- المختار أن ذلك كناية عن ترك الاستمتاع بالنساء كما رجحه أبو الفرج ابن رجب وأبو الفضل ابن حجر .
[ ليلة القدر ]
١٤٢-" العبادة المستحبة في ليلة القدر هي قيام تلك الليلة.
وإنما يكون قيامها = بإطالة الصلاة، وكثرة قراءة القرآن في أثناء تلك الصلاة .
١٤٣-وأمّا ما عدا ذلك من الأعمال فهو دون مرتبة الصلاة ، نعم يُشرع للعبد إذا قام تلك الليلة بالصلاة، وقراءة القرآن أن يدعو ربّه -عزّ وجلّ- فإنه على رجاءِ إجابة.
١٤٤-لا لأجل أنّ ليلة القدر يُجاب الدعاء فيها ؛ لعدم الدليل ، وإنما لاقتران هذا الدعاء بعمل فاضل وهو قيام الليل في وقت فاضل وهو ليلة القدر، فيكون دعاءُ العبد على رجاءِ إجابة.
١٤٥-والأحاديث المروية في تعيين نوع ٍمن الدعاء في تلك الليلة لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء، وأشهرها حديث عائشة وفيه دعاء اللهم إنك عفو... الخ المخرّج عند بعض أصحاب السنن، وإسناده ضعيف لانقطاعه، فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في تعيين نوع من أنواع الدعاء دون غيره ليلة القدر .
١٤٦- بل يدعو العبد بما شاء ربه أن يدعوه ، مع الإقبال على إعمار هذا الوقت، وهو وقت ليلة القدر بإقامة الصلاة فيها وإطالتها ؛ لأنّه هو العمل الذي جاءَ تعيينه من الشرع .
١٤٧-فالمستحب لمن رأى ليلة القدر هو أن يطيل قيامها، ويكثر قراءة القرآن فيها"
سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم
١٤٨- اختلف أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في علّة تسمية ليلة القدر فذكروا أسباباً عديدة جِماعُها يرجع إلى ثلاثة أشياء:
أولها: أنّها سُمّيت ليلة القدر على إرادة معنى التعظيم للقدر ها هنا، فالمرادُ بالقدر هنا: التعظيم؛ كقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }، فيكون معنى ليلة القدر : ليلةٌ ذات قدر.
وتعظيمها وقع لأمورٍ عظيمة منها:
نزول القرآن فيها، ومنها: تَنزُّل الملائكة والروح. ومنها: ما ينزل فيها من السلام والرحمة والمغفرة.
وثانيها: أنّ القدر هنا بمعنى: التضييق كقوله تعالى:{ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ }, وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرّج في الصحيح: «فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له», في قول من يقول: إن المعنى هو تضييق الشهر. وكأنها ضُيقت لأجل إخفائها، أو لكونها ليلة واحدة، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة، وقد رُوي في ذلك حديث في مسند أحمد وفي إسناده ضعف.
وثالثها: أنّ المراد بالقدر هنا: ما يكون بمعنى القدر الذي هو مؤاخي القضاء، فلأجل أنه تقدر فيها الأقدار والآجال لقول الله عزّ وجل:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}, سميت بليلة القدر.
-والمختارُ: أنّ هذه الأسباب الثلاثة كلّها مُوجبةٌ لتسميتها بليلة القدر، وإذا أمكن حملُ اللفظ المشترك على جميع معانيه كان ذلك هو اللائق كما جرى على ذلك جماعة من المحققين منهم أبو العباس ابن تيمية الحفيد -رحمه الله تعالى- في رسالته في (( أصول التفسير))، وشيخ شيوخنا محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تفسيره (( أضواء البيان)).
١٤٩-حديث ( التمسوا ليلة القدر في العشر الباقيات من رمضان في التاسعة والسابعة والخامسة ) ضعيف ومعناه موجود في الصحيحين .
واختلف العلماء في المراد بالتاسعة والسابعة والخامسة هل هي التي تمضي أم التي تبقى ؟
فإذا قلنا لتسع تبقى يعني ليلة واحد وعشرين، وإذا قلنا لتسع مضت يعني ليلة تسع وعشرين.
والظاهر كما وقع في رواية للبخاري أنها لتسع تبقى وسبع تبقى وخمس تبقى ولم يصرح بهذا اللفظ في الصحيح وإنما في مسند أحمد لكن معناه في البخاري ، أي: ليلة واحد وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين فهي أرجى الليالي التي تلتمس فيها ليلة القدر .
[ صيام التطوع ]
١٥٠- الأجر المترتب في صيام الست من شوال مشروط بشرطين: ١-إيقاعها بعد رمضان فلابد من القضاء لمن كان عليه. ٢-أن تكون الست كلها في شوال.
١٥١- الأحاديث المروية في إيجاب المتابعة بلا تفريق في صيام الست لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . فله أن يصومها متتابعة وله أن يفرق إن شاء .
١٥٢- النفل المقيّد-كالست وعرفة وعاشوراء-يشترط له تقدم النية من الليل . نبه عليه الشيخان ابن باز وابن عثيمين. أما المطلق فإنه لا يشترط.
١٥٣- المختار أن صوم الدهر مكروه كما هو قول إسحاق ورواية عن أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا أفضل من ذلك" يعني ليس هناك أفضل من صيام داود .
١٥٤- النبي لم يستكمل صيام شهر قط إلا رمضان، و ماعداه من الشهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُخليه ، ويجعل أكثر صيامه في شعبان كما ثبت ذلك من فعله .
١٥٥- "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" الصحيح من قولي أهل العلم أن المراد بشهر الله المحرم ههنا الأشهر الحرم جميعا وهي أربعة . لامجرد شهر المحرم ، لما صح عن ابن عمر أنه كان يصوم في رجب وفي ذي القعدة وذي الحج وفي شهر المحرم .
وهو اختيار ابن تيمية وابن رجب .
١٥٦- تخصيص رجب بالصوم دون غيره من أشهر الحرم اعتقادا بأنه مأمور به وبأن له من التعظيم ما ليس لغيره .. القول بالتحريم حينئذ قول قوي .
١٥٧- صوم عاشوراء:
١-التاسع والعاشر (السنة الثابتة).
٢-العاشر فقط (لايكره).
٣-العاشر وبعده يوم. (حديث لايثبت).
٤- التاسع والعاشر والحادي عشر (حديث ضعيف)
١٥٨- ثبت من حديث عائشة "ماصام رسول الله العشر قط" وأما الحديث المخرّج عند أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم العشر من ذي الحجة فلا يثبت .
١٥٩- أحبُّ الأوقات وأولاها بأن يقضي فيه العبد ما عليه من صيام رمضان إذا لم يرد صوم الست هو أيام العشر اقتداءا بالصحابة .
١٦٠- من كان حاجّاً بعرفة فإن السنّة في حقه أن يكون مفطرا كما ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما حديث النهي عن صيام يوم عرفة لمن كان بعرفة فلا يثبت .
١٦١- صيام يوم الإثنين مستحب بالسنة والإجماع، وأما صيام يوم الخميس فإنه مستحبٌ بالإجماع دون السنة إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في ذلك .
١٦٢- حديث "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان" ضعيف لا يثبته أهل المعرفة بالأخبار ، وقد أنكره أحمد وأبو زرعة .
١٦٣- نُقل الإجماع على حرمة صوم العيدين والمراد بالعيدين يوم الفطر ويوم الأضحى.
١٦٤- نَقَل الإجماع على حرمة صوم أيام التشريق : النووي في المجموع ، وابن قدامة في المغني . وهي الأيام الثلاثة التي تلي العاشر من ذي الحجة .
١٦٥- الحديث المروي في النهي عن صوم يوم السبت حديث مضطرب لا يصححه أهل المعرفة بالحديث .
١٦٦- الحديث الوارد في استحباب صوم يوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب حديث ضعيف. فيبقى صوم يوم السبت على الأصل في الجواز .
١٦٧- "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا....سبعين خريفا" في سبيل الله ههنا الأرجح أنها في الجهاد. الخريف أي السنة.
وذكر المئة فيه ضعف .
١٦٨- "أحب الصيام إلى الله صيام داود" فيه فضيلة غب الصوم بأن يفطر يوما ويصوم آخر. ويستثنى من هذا -بلا خلاف- يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق .
_________________________
[ وختاما ]
١٦٩- على الناس أن يتفقهوا ويتعلموا أحكام صيامهم ثم يحملوا أنفسهم في استقبال هذا الشهر بالطاعة ؛ فإن المصاعب من الخيرات لا تقطع إلا بأسباب قوية من النفس،
١٧٠-فينبغي للمرء أن يزكي شعلة نفسه وأن يعلي همته وأن ينوي الخير نية بالغة ولو لم يقدر عليه ؛ فإنه يثاب بهذه النية، قال الإمام أحمد لابنه عبدالله : "يا بني انوِ الخير فإنك تثاب عليه ولو لم تفعله".
--------
[ هذه الفوائد المنتقاة مأخوذة من :
١-تعليقات الشيخ على مقاصد الصوم لأبي العز.
٢-تعليقات الشيخ على نور البصائر للسعدي .
وغالب المثبت منهما هو من جَمع أ.محمد العوضي وقد كتب نحوا من ٩٠ فائدة ، استغنيت عن بعضها بما وجدته أوفى في موضع آخر .
٣- التعليق على (فصول في الصيام والتراويح والزكاة) لابن عثيمين.
٤- التعليق على (السنا والسنوت في معرفة ما يتعلق بالقنوت) .
٥- تطريز الشيخ صالح العصيمي على جزء فيه أحاديث شهر رمضان في فضل صيامه وقيامه لابن عساكر
٦-تطريز الشيخ صالح العصيمي على جزء في التهنئة الأعياد وغيرها لابن حجر .
٧- تطريز الشيخ صالح العصيمي على قواطع الأدلة للشيخ حمود التويجري .
٨- تطريز الشيخ صالح العصيمي على القول المنشور في هلال خير الشهور للعلامة اللكنوي.
٩- ومن تغريدات للشيخ على صفحته في تويتر .
١٠- ومن خطبة للشيخ عن استقبال رمضان أفادني مختصرا لها أحد الإخوة جزاهم الله خيرا ]
جزى الله خيرا من نشره ودل عليه في وسائل التواصل .