الشتاء ربيع المؤمن صوم بالنهار وقيام بالليل
الصوم..
«حزمة فوائد» نفحاته إيمانية وروحانية نستشعر خلالها كثيراً من مشاعر إيجابية تمثّل أولى خطوات التغيير. يزيد اليقظة والشعور بالراحة والنشوة ويحسّن النفسية ويقلل الاكتئاب. بدوي: يؤثر على النواقل العصبية في المخ ويساعد على التخلص من الصداع النصفي. سلطة الخضار في وجبة السحور تقلل من الإحساس بالعطش والجوع في النهار رمضان لم يحظ بدراسات علمية نفسية واجتماعية حقيقية ترصد الآثار الإيجابية للصيام. يقتل الفيروسات ويطرد السموم ويعطي فرصة للنظام المناعي لممارسة مهامه. يمارس الناس الصوم منذ القدم فهو يوجد في عدد كبير من الثقافات والأديان، وإن كانت تفاصيله تختلف بين الثقافات المختلفة، أما صيام المسلمين في رمضان فهو نوع مميز يعرف علمياً بالصوم المتقطع لأن الـ 24 ساعة تقسم تقريباً بين الصوم والإفطار، وهو نعمة عظيمة بنفحاته الإيمانية والروحانية نستشعر من خلالها كثيراً من المشاعر الإيجابية، يمثّل الشعور بها أول خطوات التغيير، سواءً أكان في أنفسنا أم في علاقاتنا بالآخرين، ويعتقد كثير من الباحثين أن جسم الإنسان مخلوق بطريقة يستطيع معها تحمل المجاعات أكثر من قدرته على تحمل الإفراط في تناول الطعام، لذلك زادت في الأزمنة القريبة كثير من الأمراض التي تصاحب الإفراط في الطعام، وقد لاحظ الناس على مر التاريخ أن للصوم فوائد صحية مختلفة، فالصائم في رمضان يمتنع عن الأكل والشرب في ساعات النهار فقط، ويتغير نظام أكله بشكل مفاجئ من النهار إلى الليل فتزداد عمليات الأيض والحرق الحراري خلال الليل، كما أن صوم رمضان يمتد لمدة شهر ما قد ينتج عنه نوع من التأقلم مع نظام الصوم. رصد الفوائد الصحية للصيام من خلال آراء اختصاصيي تغذية وعلماء دين، ونفس واجتماع، من منظور الشرع، والاكتشافات العلمية الحديثة في ثنايا الأسطر التالية: نواقل عصبية وأوضحت اختصاصية التغذية رند بدوي أن الصيام يؤثر على بعض النواقل العصبية في المخ، كما أنه يعد سبباً رئيساً للتخلص من الصداع النصفي أو ما يعرف بـ»الشقيقة»، فقد أظهرت الدراسات أن الصوم التجريبي يزيد من مستوى التريبتوفان والسيروتونين في المخ وهما ناقلان عصبيان مهمان، ويعتقد الباحثون أن زيادتهما قد تكون سبباً لنقص الشعور بألم صداع الشقيقة مع الصيام، كما أظهرت بعض الدراسات تحسناً في النوم مع الصيام التجريبي، ويعتقد أن الصيام يزيد إفراز مادة الإندورفين وهي بيبتايد أفيوني يعمل كناقل عصبي في الدماغ. حيث وجدت الأبحاث زيادة في هذه المادة بعد خمسة – عشرة أيام من الصيام التجريبي عند الإنسان. ووجدت زيادة كبيرة في هذه المواد الأفيونية وهذا الناقل العصبي يخفف الشعور بالألم ويحسّن المزاج، وأن الصوم المتقطع مثل صيام رمضان يزيد من إفراز مادة في المخ تُعرف بالعامل العصبي المشتق من الدماغ (BDNF) التي لها وظائف عدة منها التحكم في مادة السيروتونين وتحسين القدرات الذهنية وزيادة مقاومة الدماغ للهرم والتقدم في العمر، كما يعتقد أن زيادة مادة الكيتون في الجسم الناتجة عن استهلاك الدهون قد تكون أحد أسباب نقص الألم وتحسن المزاج خلال الصوم التجريبي. الجوع والتخمة وقالت بدوي إن «المبالغة في تناول الوجبات، أو تناول الوجبات الغنية بالسكريات والدهون، التي تزيد من تلبك الجهاز الهضمي وإصابته بعسر الهضم والغثيان وانقباضات في المعدة والأمعاء والشعور بالخمول في النهار وبالتعب والإنهاك في الليل، وذلك بسبب النظام الغذائي السيئ وتذبذب الجسم ما بين الجوع والتخمة، ما يزيد من الإجهاد والإرهاق، مع التعرض المتكرر إلى انتفاخ الجهاز الهضمي ونوبات من الإمساك والإسهال أو أحدهما، ما يجلب انتكاسة للجسم، على عكس ما كان متوقعاً في أن يكون صيام رمضان فرصة لإراحة الجهاز الهضمي وتطهير الجسم». تجنب المثلجات وشددت بدوي على ضرورة الانتباه إلى أهمية أن يكون شرب الماء بكميات صغيرة (1-2 كوب ماء) وعلى دفعات، مع أهمية تجنب المياه المثلجة، فشرب كمية كبيرة من المياه مرة واحدة يتعب ويربك الجهاز الهضمي، خاصة إذا كانت مثلجة، ويزداد تعب وإرباك الجهاز الهضمي عند تناول طعام شديد الحرارة (مثل الشوربة) بعد شرب الماء البارد، ويجب الانتباه إلى أن بعض أنواع الشراب التي اعتاد البعض على تناولها في رمضان، تزيد من تعب الجهاز الهضمي لدى البعض، إضافة إلى أنها تقلل شهيته في تناول الطعام، ويفضل دائماً في الإفطار أن نتبع سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بتناول الرّطب أو التمر فهو سهل الهضم لوجود السكريات البسيطة السهلة الامتصاص الخفيفة على المعدة، حيث تعين على شحن طاقة الصائم وتزيد من سرعة استعادة النشاط والحيوية بعد الصيام، إضافة إلى احتوائها على الفيتامينات والمعادن، مع محاولة أن تكون مائدة الإفطار غنية بالفاكهة والخضار والسلطات وشوربة الشوفان واللبن والزبادي القليل الدسم، وتجنب تناول الأغذية المقلية والحلويات والشراب الغازي أو الشراب المحلى، ويفضل استبدالها بالعصائر الطبيعية المنعشة والمفيدة للجسم، كما أن إضافة بعض الحمص والفاصوليا الحمراء والذرة الذهبية يزيد من فرصة الشبع ويعطي شكلاً جميلاً ومذاقاً رائعاً غنياً بمعظم الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية اللازمة للنمو والنشاط وتجدد الخلايا. سلطة الخضار ورأت اختصاصية التغذية إيمان بدر أنه يفضل أن تحتوي وجبة السحور على سلطة الخضار الطازجة وبكميات مناسبة، فهي تحتوي على نسبة عالية من الماء والألياف ليحتفظ الجسم بالماء لفترة طويلة، ما يقلل من الإحساس بالعطش أو الجفاف، بينما تساعد الألياف على البقاء فترة أطول دون الإحساس بالجوع، إلى جانب أن الخضراوات مصدر جيد للفيتامينات والأملاح المعدنية، وتحتوي أيضاً على الأغذية التي تكون متوسطة السرعة في الهضم مثل: الفول، والعدس بزيت الزيتون أو الجبن والبيض مع الحرص على تناول الخبز الأسمر بدلاً من الأبيض، حيث تزيد من فترة عدم الشعور بالجوع واستمرار وجود السكر باعتدال في الدم ولفترة أطول، مع الانتباه إلى عدم النوم مباشرة بعد السحور، ويمكن تنظيم وقت تناول السحور بحيث يكون قبل ساعة من موعد النوم، مع تناول بعض الفاكهة أو العصير الطازج أو التمر مع شرب الماء واللبن قبل وقت الإمساك عن الطعام تنفيذاً لتوجيه السنة النبوية بتأخير السحور، ويفضل تجنب شرب المنبهات كالشاي والقهوة والكولا في الأوقات المتأخرة من الليل، وذلك لكونها منبهة ومدرّة للبول، وسيفقدك ذلك كثيراً من السوائل التي ستشعرك بالعطش، كما يجب تجنب الأغذية المالحة في الساعات الأخيرة من الليل، فهي تزيد من الإحساس بالعطش بعد الهضم، كما أن تناول السكريات والخبز الأبيض والأرز والمكرونة على السحور يشعرك بسرعة التخمة والشبع في حينها، لكنها تبعث على الجوع بعد فترة قصيرة، وبرغم أهمية الصيام في حياة المسلم، إلا أن ديننا الإسلامي دين يسر وليس بعسر، فرخص للمرضى والمصابين ببعض الأمراض المزمنة عافاهم الله بالإفطار، لذلك من المهم استشارة الطبيب قبل الصيام. راحة نفسية وأوضحت اختصاصية علم النفس إلهام حسن أن الصيام يزيد اليقظة وشعور الشخص بالراحة والنشوة، ويحسّن النفسية ويقلل من الاكتئاب، فقد أظهرت دراسة أجريت على 52 شخصاً مصاباً بألم مزمن أن الصيام التجريبي حسّن كثيراً من أعراض الاكتئاب والتوتر عند 80% من المشاركين، وفي دراسة قام بها باحثون خلال شهر رمضان على 25 صائماً مصابين باضطراب ثنائي القطب وكانوا على عقار الثاليوم، أن الصيام حسّن كثيراً من أعراض الاكتئاب والهوس عند مجموعة الدراسة بدون أي تغير في مستوى دواء الثاليوم في الدم، وكذلك قام باحثون روس في معهد الطب النفسي بعلاج 65% من حالات الوسواس القهري، وبعض أنواع الفصام بما يسمى العلاج بالجوع، وكانت مدة العلاج شهراً كاملاً، وهو ما يطابق شهر رمضان عند المسلمين، هذا إذا أخذناها على أنها عبادة جسدية، فكيف إذا أضفنا لها الجانب الروحي، والعلاج بالتعبد والقرآن والاطمئنان النفسي، إذاً وبلا شك شهر رمضان فرصة لعلاج مختلف الأمراض النفسية التي عجزت عن علاجها العقاقير الكيميائية. صوم علاجي وقالت حسن «إنه بسبب التأثيرات الصحية للصوم، ظهر في الغرب ما يُعرف بالصوم العلاجي المعدل، وهو باختصار تقليل في السعرات الحرارية المتناولة إلى حوالي 800 سعر حراري لعدة أيام مع شرب 2-3 لترات من السوائل يومياً وبعد ذلك إدخال تدريجي لنظام غذائي محدد تحت إشراف طبي، وكانت النتائج الأولية تدل على أن الصوم قد يكون له أثر إيجابي على تحسين المزاج واضطراباته. دراسات علمية وبيّنت أستاذة علم الاجتماع حنان الشريف «أن شهر الخير والغفران لم يحظ بدراسات علمية نفسية واجتماعية حقيقية، ترصد الآثار الإيجابية للصيام، وتبرز الجوانب الحقيقية والفوائد النفسية والاجتماعية للشهر الفضيل، ولعل هذا يكون عجزاً في التصور الحقيقي لفكرة التأصيل الإسلامي للسلوك البشري، في ظل المتغيرات العالمية والإنسانية وتطور الحضارات. وأضافت «الصيام يعدّ وفقاً للتوجيهات الربانية « طمأنينةً، وتهذيباً، وتعلقاً بالخالق -عزّ وجل-»، بفعل الطاعات وترك المحظورات في زمن محدد، وتعتبر التوجيهات الربانية أكبر دليل على لزوم طاعة رب العباد، كما تعد الآثار النفسية من أهم القضايا التي أغفل الباحثون الاهتمام بها خلال فترة الصيام، وآثار الصيام على تهذيب خلق وسلوك المؤمن، بل أصبح الشهر الفضيل يمثل سلوكاً استهلاكياً، وقوة شرائية، وأسلوباً لتغيير نمط الحياة، ولكن السلوكيات لدى كثير تكون مشوبة بسرعة الغضب، وعدم التحمل، والتملل، وعدم القدرة على ضبط النفس، وعدم التصور المعرفي الحقيقي للصيام، ولذا تكثر إشكاليات في التصرفات، وعدم القدرة على التكيف النفسي خلال الشهر الفضيل». لذة العبادة ويقول الأستاذ المشارك في الدراسات القرآنية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والداعية الدكتور عادل إبراهيم «في كل عام نستعد لاستقبال شهر رمضان الذي هو خير شهور السنة، وحتى نشعر بلذة هذه العبادة ونُقْبل عليها برغبة، لا بد من التهيئة النفسية لممارسة هذه العبادة من خلال إدراكنا لأسرارها، وأهم الأسرار العلمية للأغذية الأساسية المذكورة في القرآن الكريم وننطلق من دائرة أنفسنا المغلقة إلى فضاءات العطاء، عبر المشاركة في تحمل المسؤولية الاجتماعية، من خلال عون الفقير، ومساعدة المسكين، مبيّناً أنّ الجميل في الأمر هو أن نستفيد من الدائرة الزمنية المحددة في رمضان، بوضع خطة عمل تطوعي متعدي النفع قدر استطاعتنا وإمكاناتنا، لافتاً إلى أنّ من أهم مشاريع رمضان التي تبدأ منذ يومه الأول إثبات الوفاء من الأحياء للذين سبقوهم إلى لقاء الرحمن، فتذكرهم في رمضان يعبّر عن إحساسنا بقيمة إدراكه، وتنفس روحانيته، كما يعبر عن تأسينا على الذين نحبهم ولم يدركوا هذه الفرصة للاستزادة من الخير، وواجبنا يكمن في الوفاء لهم بفعل -نيابةً عنهم- ما نتوقع أنّهم يحبونه من الخير، وكانوا سيفعلونه لو أنّهم أحياء، والمؤمن يدرك فوائد الصيام في الدنيا والنعيم الذي ينتظره في الآخرة، فإنه بلا شك يستقبل هذا الشهر بطاقة كبيرة، وحالة نفسية مطمئنة وشوق وتلهف لممارسة الصيام، وهذا يؤدي إلى رفع النظام المناعي لدى المؤمن وبالتالي تحقيق الاستفادة القصوى من الصيام». قتل الفيروسات ويضيف إبراهيم «إن الصيام يقتل الفيروسات ويطرد السموم حيث يقول العلماء إن الامتناع عن الطعام والشراب لفترات محددة يعطي فرصة للنظام المناعي لممارسة مهامه بشكل أقوى، ويخفف الأعباء عن أجهزة الجسد لأن الطعام الزائد يرهق الجسم، ولذلك وبمجرد أن تمارس الصوم، فإن خلايا جسدك تبدأ بطرد السموم المتراكمة طيلة العام، وسوف تشعر بطاقة عالية وراحة نفسية وقوة لم تشعر بها من قبل، وهو يحرض خلايا الجسد ويجعلها تعمل بكفاءة أعلى، وبالتالي تزداد مقاومة الجسم للبكتريا والفيروسات وتتحسن كفاءة النظام المناعي، ولذا ينصح الأطباء بالصيام من أجل معالجة بعض الأمراض المستعصية، التي فشل الطب في علاجها، ولعلي أذكر ما أظهرته دراسة نشرت في المجلة الأمريكية لعلم التغذية السريري من أن الصوم المتقطع المشابه للصوم عند المسلمين مهم جداً لعلاج بعض الأمراض المزمنة، مثل: داء السكري، وأمراض القلب والشرايين، كما أنه يعد فعالاً للمرضى النفسيين الذين يعانون من الاكتئاب والانهيار العصبي، حيث تبين أن نسبة كبيرة من الذين قاموا بالصيام منهم قد نجحوا في التخلص من الأعراض المرضية».